20
20
-A +A
عبدالسلام المسيان
ننحني لرياح الظروف مجبرين، فمهما كانت إرادتنا قوية لِما نرغب فيه تبقى إرادة الله فوق إرادتنا، شاء الله في ظروف معينة أن أكون بعيداً عن أسرتي الصغيرة زوجتي وبناتي لتأمين حياة كريمة لهم، كان هذا البعد عن رضا واختيار على أمل ألا يطول.

وبكل أسف طال هذا البعد، ونتج عنه تقصير قسري مني، ومتوقع بسبب غيابي عنهم. من هنا أقدم اعتذاري الشديد لزوجتي لتحملها مسؤولياتي، إضافة لمسؤولياتها، حملت شِقّي العاطفة والحزم، وكفّتي اللين والشدة، ودورَي الأم والأب، ولا زالت تتحمل وتتجمل ولا تبدي تذمراً صابرة محتسبة كعادتها. يصغر اعتذاري أمام جبال تقصيري.


واعتذارٌ أكبر بحجم السماء لبناتي نورة وعائشة وسارة والجوهرة، أعتذر لأنهن فقدن دور الأب كمربٍ وموجه ومحب وسند.

أعتذر لهن لعدم مقدرتي مشاركتهن يومهن بكل تفاصيله كأي أب، أعتذر لأنهن ينمن دون أن يحظين بقبلة أبوية وضمة دافئة حانية.

السائق أدى دوري في إيصالهن للمدرسة، ففقدت تلويحتهن وهن يهممن بالدخول للمدرسة. أعتذر عن تلاشي لهفتهن عند الانصراف من المدرسة والحديث الطفولي عن ما جرى من أحداث في يومهن الدراسي ونحن متجهون للمنزل. أعتذر عن خلو مكاني على طاولة الطعام وهن يتناولن وجباتهن. أعتذر لأنني ركضت خلف تأمين المستقبل ونسيت استقرار الحاضر، ولا يقوم مستقبل مشرق على أنقاض حاضر مظلم.

ظننت أن الرحلة لن تطول ولكنها طالت ولا يزال قطار الرحلة يمضي دون وقوف في محطة الوصول. أتشوق لرؤيتهن وأتذكر فرحتهن كلما سمعن صوت المفتاح يدور بالباب، ليسفر عن عالم مليء بالفرح والبراءة، وعيون كلها شوق يخالطها عتب بريء وتساؤلات لا تشفيها إلا إجابات بالتمام الشمل والعودة لحضن الأسرة، وأن أُلقي عصا الترحال.